بدأ المحامي فريد الديب مرافعته عن المتهم الاول حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك موضحا أنه سيتبع
منهجا في مرافعته ينقسم الى خمسة اقسام ...وانه سيتولى الدفاع عن مبارك ونجليه
بمفرده كما سيترافع بالاشتراك مع محاميين آخرين عن وزير الداخلية الأسبق حبيب
العادلي .
واستهل الديب المرافعة بالاستناد الى كتاب التعليمات العامة للنيابات وكتاب "
آداب مرافعة الإدعاء" ..مشيرا الى أن المادة 307 تحدد نطاق الدعوى امام المحكمة
من حيث اشخاص المتهمين ومن حيث الوقائع وانه عندما ترفع النيابة الدعوى عن عدة
وقائع فهي بذلك تحدد نطاقها وانه وفقا لذلك يجب تحديد الاشخاص المرفوع ضدهم هذه
الدعوى.
وقال إن كتاب اداب مرافعة الادعاء تضمن ضرورة تجنب تجريح المتهم اوالتنديد به
بغير ما يقتضيه بيان الدليل .
ووجه الديب اللوم إلى ممثلى النيابة العامة على ما بدا من جانبهم فى مرافعتهم
التى استمرت على مدى ثلاثة أيام .. لافتا إلى قيام النيابة باستخدام بعض العبارات
والألفاظ التى حملت إساءة إلى مبارك دون وجه حق.
وأشارالمحامى فريد الديب إلى أنه سيبدأ مرافعته عن آل مبارك بالمرافعة الشفوية
على أن يلحق بها مذكرة مكتوبة تمثل تتمة لما سيبديه فى مرافعته .. علاوة على بعض
حوافظ المستندات فى شأن قضية قتل المتظاهرين والاتهامات المتعلقة بالفساد المالى.
وأضاف الديب أن الجانب الأكبر من مرافعته سينصب على الاتهامات المتعلقة
باستغلال النفوذ الرئاسى بهدف تربيح الغير المتمثل فى رجل الأعمال الهارب حسين
سالم.
واستعرض الديب أمام المحكمة ما ورد فى كتاب التعليمات العامة للنيابات من
تأليف المستشارين سمير ناجى نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، والمستشار أشرف هلال
وكيل أول نيابة أمن الدولة العليا السابق ومحافظ المنوفية الحالى، بالإضافة إلى
قانون الإجراءات الجنائية وما تضمنه بشأن مرافعة النيابة العامة بحق المتهمين
وكيفية إبداء المرافعة وسرد الوقائع .
وأوضح الديب أن التعليمات وأداة مرافعة الإدعاء العام شددت على ضرورة تجنب
تجريح المتهمين أو التعريض بهم فى غير ما يقتضى بيان الدليل، وما تتفوه به
النيابة العامة من توقيع العقاب والارتقاء والارتفاع من مستوى الاتهام إلى درجة
من الموضوعية بسرد الحقائق التى تتضمنها الدعوى .. لافتا إلى أنه كان يتمنى على
ممثلى النيابة العامة فى القضية عدم الخروج عن هذه الأصول خلال مرافعتهم.
وأشار فريد الديب محامي الرئيس السابق فى مرافعته إلى أن ممثلى النيابة أفردوا
حديثا طويلا عن مسألة توريث الحكم على الرغم من أن قضية التوريث ليست محل اتهام
فى هذه المحاكمة، على نحو يمثل خروجا على نطاق الدعوى .. لافتا إلى أن حديث
النيابة تناول أيضا زوجة الرئيس السابق بكل سوء على الرغم من كونها ليست من بين
المتهمين فى هذه القضية، فضلا عن تناول ممثلى النيابة لمسألة الحسابات المصرفية
لمكتبة الإسكندرية ومسألة تتعلق بالاستيلاء على سبيكة ذهبية دون وجه حق.
وأكد الديب أن هذين الموضوعين (مكتبة الإسكندرية والسبيكة الذهبية) تم التحقيق
فيهما وانتهت النيابة العامة إلى أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد أى من
المتهمين، على نحو يثير التساؤل من جدوى التطرق إلى هذين الموضوعين .
وقال (إن ممثلى النيابة سرعان ما كشفوا عن مغزى التطرق لهذه الأمور ألا وهو
إمداد وسائل الإعلام بمادة للتجريح والتشهير، وهو الأمر الذى حذى فيه بعض
المحامين حذو النيابة وقاموا بالتجريح فى هذا الرجل - فى إشارة إلى مبارك - فبئس
هذا الصنيع والهدف).
وأضاف الديب أنه كان المأمول من النيابة العامة أن ينصب حديثها على وقائع
الدعوى، غير أنها راحت تستمطر اللعنات على المتهمين بآيات محكمات لا مجال
للاستشهاد بها.
وقام فريد الديب باستعراض لتاريخ الرئيس السابق مبارك منذ نشأته ومولده وصولا
إلى تبوؤه منصب رئيس الجمهورية فى عام 1981، معددا إنجازاته مبررا هذه المقدمة
بأنها تأتى لكى تتعرف المحكمة على شخصيةالمتهم وأن ترى ما فى ماضيه وما فى حاضره
بما يعينها على تحديد الوقائع وتقييمها حق قدرها، وما إذا رأت المحكمة فى تحقق
هذه المسؤولية فى تقرير العقاب حال الإدانة، وهوأمر نص عليه علم النفس الجنائى
ولا يعد من قبيل الخروج على آداب المحاكمة أو موضوعها.. مؤكدا أهمية أن يعرف
القاضى شخصية المتهم.
وقال المحامى فريد الديب اننى اترافع عمن عمل فى خدمة مصر ستون عاما أو يزيد،
ثلاثين سنة منها فى خدمة القوات المسلحة وثلاثين سنة أخرى فى رئاسة الجمهورية،
وهو تاريخ حافل بالنجاح والانجازات وأيضا بالإخفاق وعدم التوفيق، فالإنسان لا
يوفق أبدا إلا بتوفيق من الله، ووجب أن أبين للمحكمة من هو محمد حسنى مبارك الذى
اتهم بالاشتراك فى القتل واستغلال النفوذ الرئاسى وتظفيرالغير للتربح والإضرار
بالمال العام، وهى تهم ما أنزل الله بها من سلطان وذات عقوبات مغلظة فى القانون).
واسترسل الديب قائلا
ولد مبارك فى 4 مايو عام 1928 فى قرية كفرالمصيلحة
بمحافظة المنوفية، وهى ذات القرية التى ولد بها المستشار عبد العزيز باشا فهمى
أول رئيس لمحكمة النقض والذى تعلم مبارك على يديه وكان قدوة له، وتمنى مبارك أن
يصير مثله قاضيا بعد أن غرس فيه مبادىء القاضى الجليل.
فصنع فى شخص مبارك رجلا شامخا أبيا كانت أمنيته بعد أن ينتهى من تعليمه الثانوى أن يدخل كلية الحقوق
ليتخرج قاضيا أسوة بعبد العزيز باشا فهمى، غير أن الله شاء له أن يدخل طريق فخر
وعزة وإباء وهو طريق القوات المسلحة فى نوفمبر من عام 1947، ليتدرج فى القوات
المسلحة بعد حصوله على بكالوريوس العلوم العسكرية حيث هيأ له تفوقه ولياقته دخول
كلية الطيران ليصير نسرا من نسور الجو زودا عن الكنانة ولم يكن يدرى أن القدر
يدخره لمهمة عظيمة).
وأضاف الديب (أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أدرك بحسه الوطنى أن العقيد
طيار محمد حسنى مبارك أبلى بلاء حسنا عندما كان قائدا لقاعدة بنى سويف الجوية
إبان نكسة عام 1967، فعينه مديرا للكلية الجوية فى نوفمبر من نفس العام ليتخرج
تحت قيادته أجيالا من الضباط الشابة استعدادا لمعركة استردادا الأرض المحتلة، ثم
رقى فى عهد عبد الناصر إلى رتبة لواء طيار، ثم عينه الرئيس الراحل أنور السادات
قائدا للقوات الجوية والتى تمثل إحدى الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، لينفذ
مهمته على أكمل وجه فى حرب التحرير عام 1973، مما دعاالرئيس السادات إلى ترقيته
إلى رتبة فريق ثم نائبا له إلى أن صار رئيسا للجمهورية بعد اغتيال السادات.
وقال المحامى فريد الديب فى مرافعته "ان الشغل الشاغل لمبارك فور توليه مهام
رئيس الجمهورية إتمام انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء، وهو ما تم بالفعل فى
أبريل من عام 1982 باستثناء طابا، فلجأ إلى التحكيم الدولى وحشد لذلك خيرة أبناء
الوطن ليخوضوا معركة استرداد الأرض المصرية، وهو الأمر الذى تم فى عام 1989
ليلتفت فى أعقاب ذلك إلى المهام الجسام فى الداخل، حيث كانت البنى التحتية
متهالكة وفى أضعف حالاتها، فعكف على تطويرها واستعادة العلاقات المصرية العربية
التى كانت شبه مقطوعة فى أعقاب معاهدة السلام وإعادة مقر الجامعة العربية إلى مصر
من تونس .. معتبراأنه من العدل والإنصاف القول بأن مبارك نجح كثيرا وأخفق أحيانا".
واعتبر فريد الديب أن الفضل فى عودة العلاقات المصرية العربية وعودة الجامعة
العربية يعود إلى مبارك، مؤكدا "أن مبارك أولى كل اهتماماته بالبنية الأساسية
والدخل القومى وكافة المجالات ومن بينها الحياة السياسية التى شهدت نهضة غير
مسبوقة، حيث أصبح عدد الأحزاب المصرية فى عام 2009 أربعة وعشرين حزبا بعد أن كانت
خمسة أحزاب فقط فى عام 1981، وأصبح عدد الصحف فى عام 2009 أيضا 523 صحيفة بعد أن
كانت 35 صحيفة فقط فى عام 1981، إلى جانب تنفيذ مبارك لوعده لجموع الصحفيين
بإلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر حتى يكتب الصحفيون ما يشاؤون، وأسجل أمام
المحكمة أننى كنت من المعترضين على هذا التعديل التشريعى، فها هو مبارك يقاسى
الأمرين من جراء هذا التعديل."
وأضاف الديب قائلا "إن مبارك عمل بجد وإخلاص قدرالطاقة والاستطاعة من أجل مصر
وشعبها وعاش مهموما بمشاكل وطنه، وهو بذلك جدير بالإنصاف ولا يصح أن يهيل أحدا
التراب على جهده وإخلاصه أو يشكك فى تاريخه."
وأضاف المحامى فريد الديب (أن مبارك أيضا لم ينس بتأثير نشأته الأولى استقلال
القضاء المصرى وتدعيمه وتوفير الحصانة اللازمة لرجاله بعد تاريخ سابق من العدوان
على القضاء تمثل فى مذبحة القضاه وإلغاء مجلس القضاء الأعلى .. مؤكدا أن مبارك
كانت من أولى مهامه عودة مجلس القضاء الأعلى، وهو الأمرالذى تم بالفعل فى عام
1984 حيث عاد المجلس بتشكيل قضائى كامل دونما تدخل من أى كائن من كان، علاوة على
إضفاء الحصانة الكاملة على منصب النائب العام وأعضاء النيابة العامة تقديرا منه
لجهدهم وعملهم كسلطة إدعاء، وإدراكا منه لجسام المهام التى يضطلعون بها، إلى أن
تم فى عام 1986 نقل النائب العام إلى محكمة الاستئناف وإحالته للتقاعد خلال عام
واحد إثر قيامه فى ذلك الوقت بالتحقيق فى المظاهرات الطلابية).
وأكد الديب (أن مبارك استمر فى مسيرة تدعيم استقلال القضاء، وذلك بأن أصدر
قانونا فى عام 2003 بتعزيز سلطة مجلس القضاء الأعلى بأن أصبح المجلس صاحب رأى
إلزامى بعد ان كانت الآراء الصادرة عنه استشارية، فأصبح مجلس القضاء الأعلى بعد
ذلك متحكما وحده فى شئون القضاء دون أى سلطان عليهم، فضلا عن إدراج ميزانية
مستقلة للقضاء فى موازنة الدولة تدرج برقم واحد شأنهم فى ذلك شأن الجهات
السيادية، وتلبيته لدعوة مؤتمر العدالة الأول والذى احتفى خلاله المستشار يحيى
الرفاعى رئيس نادى القضاة الأسبق بمبارك واستعرض فى كلمته جهود الرئيس فى تدعيم
استقلال القضاء).
و مضى المحامى فريد الديب فى مقدمة مرافعته بشأن مبارك قائلا (إن مبارك رجل
جدير بالتقدير ليس دمويا أو معتديا، وأنه كان يحكم و لا يتحكم وعادل وغير مستبد
احترم القانون وزاد عن حماه وصان القضاء وكان ينزل عن أحكامه، ونال فى بلده أعلى
الأوسمة والنياشين والأنواط العسكرية وأيضا خارج مصر مثله لا يمكن أن يرتكب أى
فعل مؤثم ينسب إليه ..
وقال الديب :" يا قضاة مصر العدو يمثل أمامكم وبين أيديكم ..هذا الرجل وهو فى
الثالثة والثمانين من عمره وقد أنهكته وأثقلت كاهله الأمراض ونهشته افتراءات
اللئام، ولا يتطلع إلا إلى عدلكم بعدما أحاط به الظلم من كل حدب وصوب، وبعدما
لاكت سمعته وتاريخه المشرف كافة الألسنة والأقلام).
وبعدما اختتم الديب مقدمته طلب من المحكمة استراحة قصيرة ليستهل بعدها الدفاع
الموضوعى وحديث القانون فى شأن التهمة الأولى وهى الاشتراك فى القتل والتى أيضا
تطال وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى وستة من كبار مساعديه، فيما قام عدد من
المحامين المدعين بالحقوق المدنية بمقاطعة فريد الديب عدة مرات اعتراضا منهم على
العبارات التى استخدمها والأوصاف وعبارات الاستحسان التى اسبغها على مبارك وهو ما
دعى رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت إلى التأكيد عليهم بالهدوء واحترام حق
الدفاع فى إبداء ما يعن له خلال وقت محدد لمرافعته.
واستكمل فريد الديب مرافعته بتفنيد البلاغات التى قدمت من عدد من المواطنين ضد
الرئيس السابق حسنى مبارك وتوجيه الاتهامات له بقتل ذويهم، معتبرا أن معظم هذه
البلاغات التى قدمت لم توجه فيها الاتهامات إلى مبارك بشكل مباشر، وأن النيابة
العامة أسقطت من بعض البلاغات اتهام مبارك، بمعنى أنها لم تقتنع بهذه الاتهامات.
واعتبر الديب أن كل هذه الاتهامات الصريحة وغيرها تعنى أن فى التحقيقات اتهام
شاخص أمام النيابة موجه إلى عدة أشخاص قد يصل إلى ثمانية، وهو ما يعنى بشكل ضمنى
بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد حسنى مبارك.
وقال الديب إن أمر الإحالة الموجه إلى النيابة العامة جاء غير متضمن اسم أحد
هؤلاء الذين تضمنت أسماؤهم خلوا من الوقائع، خاصة فى وقائع مكتبة الإسكندرية
والسبيكة الذهبية.
وطالب الديب فى اختتام هذا الجزء من مرافعته بعدم قبول الدعوى الجنائية، وأعلن
تمسكه بهذا الدفع فى هذه القضية فيما يختص بحسنى مبارك .. معتبرا أن المحامى
العام عندما وصف التهمة وعرضها على النائب العام جاء وصفه بشكل ضمنى ولم يكن
صريحا، وبناء على هذا تكون الدعوى الجنائية غير مقبولة، معتبرا أنه لا يوجد دليل
على الإطلاق على ثبوت هذه التهمة فيما عدا ما التفتت إليه النيابة مما وصفها
بأنها (أقوال وانفعالات)، معتبرا أن ملف الدعوى يخلو تماما من أى إشارة إلى أن
حسنى مبارك اشترك فى وقائع القتل.
واعتبر فريد الديب أن الاتهام الموجه إلى مبارك من جانب النيابة العامة ظلما
وافتراء، ولا يستند إلى أوراق الدعوى أو أنه منقول من أحد البلاغات ، وقال إن
حسنى مبارك لم يكن راغبا فى الاستمرار فى الحكم رغما عن إرادة الشعب، واستند فى
ذلك إلى تصريحات عضو المجلس العسكري اللواء مختار الملا لقيادات الصحف القومية فى
شهر أبريل الماضى بأن الجيش لم يقم بانقلاب ولم يجبر مبارك على التنحى، وأن مبارك
جنب البلاد كوارث ضخمة كان من الممكن أن تقع .
وأضاف الديب أن مبارك لم يسع إلى إثناء المتظاهرين السلميين عن مظاهراتهم،
وقال (إن مبارك كان مؤيدا ومساندا لمطالب المتظاهرين واعتبر أن تطلعاتهم مشروعة).
وأكد الديب أن رئيس الدولة مقيد بالقانون والدستور، وأنه عندما يطلب تعديل
الدستور بغير الطريق القانونية فإن ذلك يرتب اتهامه فقط بالخيانة العظمى، وأن
مبارك عندما طلب منه المتظاهرون تعديل الدستور بادر إلى ذلك .
وطلب الديب فى ختام مرافعته اليوم استكمال هذه المرافعة فى جلسة الغد، وهو
الأمر الذى استجابت له المحكمة ورفعت الجلسة على أن تستأنف غدا.